المسؤولية الاجتماعية الفردية- طريقنا نحو مجتمع مزدهر ومستدام

المؤلف: سامي الدجوي11.03.2025
المسؤولية الاجتماعية الفردية- طريقنا نحو مجتمع مزدهر ومستدام

في غمرة يوم اعتيادي، بينما كنت أقود مركبتي بهدوء داخل أروقة جامعة سعودية فتية، استرعى انتباهي مشهد لمركبة تخالف قوانين السير. فبدلًا من اتباع المسار الصحيح في الدوار، عمدت السائقة إلى سلوك درب معاكس، منفذة التفافًا كاملًا (U-turn) في قلب الدوار. والحق يقال، لم يتسبب هذا التجاوز المروري في أي عرقلة للسير، بل تمكنت السائقة من توفير ما يقارب بضع عشرات من الثواني الثمينة من وقتها. وبالرغم من أن هذا التصرف لم يلحق ضررًا مباشرًا بأحد، وقد يبدو يسيرًا ومألوفًا للبعض، إلا أنه يمثل تصرفًا لا يرقى إلى مستوى التحضر. هذا ما يبدو للعيان، لكن هناك بُعدًا أعمق وأكثر أهمية استثار تفكيري، فما عساه يكون؟

قبل الخوض في الإجابة عن هذا التساؤل، لنتأمل سويًا: هل يمكن لسلوكياتنا الشخصية أن تكون جزءًا لا يتجزأ من مسؤوليتنا المجتمعية؟ الجواب بكل بساطة هو: نعم، بكل تأكيد. فكما تضطلع المؤسسات بدور محوري في المسؤولية المجتمعية، يمتد هذا الواجب ليشمل كافة أفراد المجتمع، سواء كانوا مواطنين، أو مقيمين، أو حتى زائرين. فالأشخاص الذين يبادرون إلى تبني المسؤولية المجتمعية، يسهمون بشكل فعال في تحقيق التنمية المستدامة، والارتقاء بجودة الحياة، وتعزيز أواصر التلاحم الاجتماعي، وصون مقدراتنا للأجيال القادمة. ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: ما هي الأنشطة والتصرفات التي يمكننا كأفراد القيام بها لتجسيد هذه المسؤولية في حياتنا اليومية؟

توضح مؤلفات علم الإدارة أن هناك العديد من الجوانب التي يمكن للأفراد الإسهام فيها لتعزيز المسؤولية المجتمعية، ومن أبرزها: 1. الانخراط الطوعي والمشاركة المجتمعية الفعالة: تخصيص جزء من وقت الفرد الثمين وجهده للمشاركة في الأنشطة الخيرية والتطوعية التي تدعم المجتمع المحلي وتعزز تماسكه. 2. تثقيف المجتمع ونشر المعرفة النافعة: المشاركة في رفع مستوى الوعي المجتمعي ونشر المعرفة حول القضايا الإدارية والاجتماعية والسياسية التي تسهم في إحداث تغييرات إيجابية وملموسة في المجتمع. ويمكن تحقيق ذلك بشتى الطرق والأساليب، ومن أبرزها كتابة مقالات صحفية هادفة وبناءة تنشر في مختلف وسائل الإعلام. وتأتي صحيفة «عكاظ» الغراء كنموذج للمؤسسات الإعلامية الرائدة التي تسهم بفاعلية في المسؤولية المجتمعية وتقوم بدور ملموس في خدمة المجتمع والوطن. 3. الحفاظ على البيئة على نحو مستدام: تبنّي ممارسات صديقة للبيئة تساهم في استدامة الموارد الطبيعية الثمينة، كالحد من استهلاك الطاقة والمياه، وإطفاء الأنوار أو الأجهزة غير المستخدمة في المكاتب وقاعات الاجتماعات. 4. تنشئة الأجيال الصاعدة على أسس المسؤولية المجتمعية: غرس قيم المسؤولية المجتمعية في نفوس الأبناء الأعزاء، مثل احترام حقوق الآخرين، والشعور بالمسؤولية العميقة تجاه المجتمع، والحرص الدائم على تعزيز الأخلاق النبيلة في تعاملاتهم اليومية. 5. التحلي بالأخلاق الفاضلة والالتزام بالقيم النبيلة: الالتزام بالقوانين والأنظمة السارية يمثل الحد الأدنى من الأخلاقيات التي يجب على الجميع اتباعها، أما التحلي بالسلوكيات الحميدة في المعاملات اليومية فيعتبر مساهمة غير مباشرة في بناء مجتمع يسوده الاحترام والمسؤولية. فمن خلال هذه الأنشطة والسلوكيات القويمة، يصبح الأفراد شركاء فاعلين وحقيقيين في بناء مجتمع مستدام ومتراص ومتكافل، يسهم في تحقيق رؤية مستقبلية طموحة تلبي احتياجات الوطن وتعزز رفاهيته وازدهاره.

والآن، لنعد إلى الموقف الذي استعرضناه في مستهل المقال ونستكشف البُعد الخفي الكامن وراءه، مع ربطه بالسلوك الرابع، وهو «تنشئة الأجيال القادمة». فربما كانت سائقة المركبة ضحية للتأثر بسلوكيات سلبية من حولها، أولئك الذين لا يرون في مثل هذا التصرف أي خرق لقواعد المرور. وهذا يسلط الضوء بجلاء على أهمية أن تكون سلوكياتنا القويمة وتصرفاتنا الرشيدة نموذجًا يحتذى به، ليس للمجتمع فحسب، بل أيضًا للأجيال القادمة التي تتطلع إلينا.

وخلاصة القول، إن المسؤولية المجتمعية ليست حكرًا على المؤسسات والمنظمات؛ بل هي واجب مقدس ومسؤولية جسيمة تمتد لتشمل كل فرد في المجتمع. فالمسؤولية المجتمعية للأفراد تسهم بشكل فعال في تحسين جودة الحياة، وتعزيز التماسك الاجتماعي المنشود. فالسلوكيات والأنشطة التي يمكن للأفراد المساهمة بها في المسؤولية المجتمعية متعددة ومتنوعة، منها: نشر المعرفة وتوعية المجتمع، وغرس قيم المسؤولية المجتمعية في نفوس الأجيال الصاعدة، والتحلي بالأخلاق الفاضلة والالتزام بالقيم النبيلة. وأخيرًا، إن بناء مجتمع وطني قوي ومتماسك يبدأ من أفعالنا الفردية الصغيرة التي قد تبدو بسيطة للعيان ولكنها تحمل في طياتها أثرًا عميقًا، فالتزام الأفراد بالمسؤولية المجتمعية يعتبر لبنة أساسية تضاف إلى صرح التنمية الشاملة التي تطمح إليها دولتنا الفتية. فلنجعل من أفعالنا الحسنة قدوة تلهم الأجيال القادمة، ولنكن جميعًا أفرادًا فاعلين وشركاء حقيقيين في تحقيق رؤية المملكة 2030 بمجتمع ينعم بالمسؤولية تجاه وطنه الغالي.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة